بقلم: الأستاذ محمد حميمداني
أصبح قدر الصحافة المغربية أن تعيش تحت سطوة السلطة وأتباعها في استهداف مباشر أو غير مباشر للصحافيين من أجل القضاء على كل إمكانية صحية للعمل. وبالتالي تدجين الإعلام الوطني بما يخدم مصالح الرأسمالية المتعفنة في القطاع. وذلك بجعل إمكانات الاشتغال بيد جمعية نصبت نفسها وصيا على الإعلام والإعلاميين بترخيص رسمي. شراكة مع وزارة الاتصال في ضرب حقوق الصحافة والصحافيين وجهد مشترك من أجل تحويل القطاع بهذا التحالف الرسمي وهوامشه المساعدة إلى ضيعة لتقسيم الغنائم والولاءات وممارسة الرضى والإقصاء تبعا للمواقف على حساب حرية الصحافة وروحها الكونية.
فتكليف جمعية بمنح شارات الحضور لتغطية مباريات الدور النهائي من كأس أمم أفريقيا للأمم التي سيحتضنها المغرب، خلال الفترة الممتدة ما بين 21 دجنبر 2025 و18 يناير 2026. هو إعلان على اختلاس حق الصحافيين كتنظيم مهني، والإطارات النقابية الممثلة لهم. من كل مقومات العمل والاشتغال الصحي والحياة المهنية السليمة.
فمن أعطى الحق للجمعية أن تقوم بدور “الكومبارس” في مجال منح اعتمادات الحضور؟ وعلى أي أساس قانوني وموضوعي مهني قامت بالسطو على حق الصحافيين والصحافيات في الحضور والمواكبة والتغطية للأحداث الرياضية الوطنية؟ وما محلها من الإعراب في هاته التزكية والتفويض الرسمي المشوب برائحة كريهة تستهدف الكلمة قبل الحضور؟ وعلى أي أساس تم منح هذا التفويض المهزلة؟ وهل تعتبر الوزارة الطرف القابض على رأس الخيط الموجه للإعلام عبر هاته الجمعية والمسؤولة بالإدارة الفعلية على تسيير فناء الولائم والولاءات الضيقة القاتلة للحرية ولحق الصحافيين والصحافيين في تتبع وتغطية الاحداث الوطنية؟ وما دور المجلس الوطني للصحافة، هل أصبح حانوتا لمنح البطائق المهنية ليس إلا؟ وما دور المؤسسات الموازية في تمثيل فعلي للصحافيين والصحافيين إن أصبحت جمعية هي الآمر الناهي في تمرير ما هو رسمي قاتل للحرية؟
إن الحرية الإعلامية حق وليست منحة لا من الجهات الرسمية أو اذنابها. وهو امر يضع الوزارة كما “الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، الكاف” موضع مساءلة عن المعايير المعتمدة لاتخاذ هاته الخطوة اللامسؤولة. والتي لا تعكس إلا سياسة تثخين الجمعية وجعلها أداة لتمرير توجهات معينة بعلم من “الكاف” أو جهل منها، الأمر سيان.
لقد وقف صاحب الجلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله، في خطابة الأخير أمام البرلمان. على الجرح القاتل لدور الإعلام ومسؤوليته في توعية المجتمع والقرب من المواطنين. وعجزه عن تدبير هاته العلاقة المفترضة مع وجود إعلام مرتزق وفاشل. وتسيب يؤسس الفعل الإعلامي بالولاءات والقرب أو البعد من الجمعية ورئيسها وليس من واقع الحق والمسؤولية. وهو ما يصيب الإعلام بالسكتة الذماغية. وفضائح “مونديال قطر” و”كأس أمم أفريقيا الأخيرة” لا زالت ماثلة وشاهدة عما أصبحت تلعبه هاته الجمعية من دور تخريبي للقطاع ونحر كل نقطة حياة بقيت فيه.
“للكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم، الكاف” والوزارة نقول: إن النعاج لا يمكن بالمطلق أن تقود المشهد الإعلامي الوطني والقاري. وأن الطرفان معا يتحملان مسؤولية إفساد الدوق والفرح الوطني والقاري. وذلك بجعلهما الجمعية وسيطا لإدارة الأزمات والدفع بالرياضة كما بباقي المناسبات للمزيد من التأزيم والقولبة بقالب العفونة البعيدة كل البعد عن قيم الرياضة والوطنية والانتماء. وممارسة قتل الحرية باسم الاختيار والشراكات التي لا تعني سوى الشراكة في الجريمة التي تستهدف الإعلام والإعلاميين بالمغرب.
نتمنى أن تصل الرسالة وأن يصحح المسار لفائدة بناء إعلام وطني قوي كما ارتآه مولانا المنصور بالله بالقطع مع كل آليات العفونة والسطو على الحقوق باسم ممارستها. وبالتالي وضع الإعلام في السكة الصحيحة التي تخدم البناء والتنمية والاستدامة والدفاع عن قضايا الوطن والإنسان بالصورة والقلم وليس بشراكات نعرف أصحابها علم اليقين ومساهمتهم في تلويث المشهد الإعلامي الوطني. وهو ما عبر عنه جلالته في إحدى خطبه السامية بالقول: إن “الإعلام سلطة رابعة يجب أن تقوم بدورها في تكوين الرأي العام وتوعية المواطنين”. لكن بهاته المسلكيات يتم تأسيس التضبيع والقتل باسم التنظيم دفاعا عن مصالح براغماتية مؤسسية وسياسية وفئوية ضيقة.
معركة الاعتمادات الإعلامية: أزمة هيكلية في الإعلام المغربي
إن ما يعيشه الإعلام المغربي وخطوة منح تدبير الإعتمادات ذات الصلة ب”كأس أمم أفريقيا 2025″ ، لفائدة جمعية معلومة. يعكس أزمة مؤسسية غير مسبوقة من خلال القيام بما يمكن تسميته بـ”الخصخصة السياسية” لحق الصحافيين في التغطية.
أزمة تقوم على الاستبعاد النظامي، من خلال تهميش النقابات والهيئات المهنية الرسمية. فضلا عن عدم استناد هاته الخطوة على أي أساس قانوني واضح لمنح هاته الجمعية حقا ليس من حقوقفها، تحت مسمى “شراكة” قاتلة. التي تعني في المحصلة ممارسة تمييز مهني، من خلال استخدام الاعتمادات كأداة للمحاباة وممارسة العقاب باسم التنظيم والقانون. وهو ما ينقل للواجهة تضارب المصالح، من خلال اعتماد الجمعية كطرف وحيد رغم طبيعتها غير التمثيلية.
واقعة تعكس فجوة في التمثيل، مع تسجيل غياب هيئة تمثيلية منتخبة ديمقراطيا وتكريس منطق التبعية وبالتالي تدجين المشهد الإعلامي الوطني.
فلا يمكن بالمطلق بناء إعلام وطني مكافح ومدافع عن القضايا الوطنية بدون تعزيز الشفافية والمهنية الفضلى لضمان تغطية ناجحة للحدث. لأن الاعتمادات يجب أن تكون حقا للصحافيين وليس منحة من أحد. والفعل المسجل لا يعكس سوى الريع الإعلامي القاتل للإبداع الصحفي. ومن هنا ضرورة وضع ميثاق أخلاقي ينظم علاقة الصحافيين بالمناسبات الكبرى.
إن المطلوب لإدارة هاته المناسبة وإنجاحها كمعركة تنموية وسياسية وطنية إنشاء لجنة متعددة الأطراف، (نقابات، وزارة وCAF) لإدارة الاعتمادات. مع اعتماد معايير شفافة قائمة على الأقدمية والتخصص إضافة لرقمنة مسطرة منح الاعتمادات لتجنب المحسوبية. وتحمل الوزارة و”الكاف” مسؤولياتهما بإعادة النظر في قرار التفويض، وتبيان المعايير القانونية التي تم الاستناد إليها، بعيدا عن الشراكة المطعون في قانونيتها لغياب التمثيلية. مع ضمان مشاركة الهيئات المهنية والنقابية في أي آلية لمنح الاعتمادات.
حصر الاعتمادات في جمعية خرق لمبدأ التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة
الخطوة التي أقدمت عليها الوزارة و”الكاف” تعتبر تعديا على حقوق الصحافة وحرية التعبير وخرقا لمبدأ التنظيم المهني المستقل. وتأكيدا على صعود رقابة مؤسساتية مموّهة لضرب حرية الصحافة ليس فقط بالكلام بل بالوصول والمشهد العام.
وهي خطوة مخالفة “للفصل 28 من الدستور المغربي”، الذي ينص على أن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية… السلطات العمومية تشجع تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة…”. فضلا عن “القانون رقم 88.13″، المتعلق بالصحافة والنشر. الذي وضع إطارا قانونيا لحرية الصحافة والنشر، الاعتراف بالصحافة الإلكترونية، حماية مصادر الأخبار وضمانات الإجراءات القضائية. و”القانون رقم 90.13″ القاضي بإحداث “المجلس الوطني للصحافة”، الذي من المفترض أن يكون هيئة وسيطة منوط بها منح بطاقة الصحافة، متابعة أخلاقياتها، النظر في القضايا التأديبية والمساهمة في التشريعات المتعلقة بالمهنة.
واقع وقفت عليه “النقابة الوطنية للصحافيين المغاربة” التي اعتبرت في تعقيبها على “مشروع القانون 26.25″ الأمر “تراجعا خطيرا” عن المكتسبات. و بالتالي تهديدا لجوهر التنظيم الذاتي للقطاع. لأنه “يفتح الباب أمام التحكم السياسي والاقتصادي في المشهد الإعلامي المغربي”.
كما أن هاته الخطوة مدانة من قبل القانون الدولي والمواثيق ذات الصلة التي صادق عليها المغرب، ضمنها “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الكافل لحرية التعبير و الإعلام دون تدخل غير مبرر. كما أن تجارب أخرى أعطت صلاحية توزيع الاعتمادات لهيئات مستقلة أو نقابات مهنية لضمان الشفافية وعدم التحيز. وهو ما يضع الخطوة موضع مساءلة قانونية ودستورية ومهنية.
إن تكليف جمعية غير ممثلة للصحافيين والصحافيات وغياب معايير موضوعية شفافة في منح الاعتمادات الإعلامية لا يمثل مجرد قضية تنظيمية، بل رسالة مختومة بعنوان عريض من الجمعية والوزارة و”الكاف” يؤطرها سؤال جوهري: هل أصبح الإعلام سلعة تدار بالشراكات والولاءات أم مكون أساسي من مؤسسات الدولة الديموقراطية التي تضمن الحق في النقد والمساءلة؟
فدور الصحافة المفترض هو التحري عن الحق ومساعدة الجهات الرسمية على كشف الاختلالات. وعلى الصحافيين والصحافيات الوعي بالمخاطر التي لا تستهدفهم فقط بل تستهدف حرية التعبير وحرية الممارسة الصحافية. وأن أن أي تقصير في التصدي هو إعلان لنحر الديمقراطية والحق في ممارسة الرقابة والتتبع والتصحيح.